ولم يكن التطور الإيراني ليحصل، لولا 'الأدمغة الإيرانية' التي وفرت أربع وعشرين جامعة علي الأقل تقيم دورات دراسية في هندسة الطيران المتقدمة. في الواقع، ووفقاً لنظام تصنيفات المجلات العلمية، كتب الإيرانيون في عام ٢٠١٣ مقالات أكاديمية حول هندسة الطيران أكثر من الروس، علي الرغم من حكم إيران الذي يمنع الباحثين العاملين في المشاريع العسكرية من نشر مقالات في المجلات الدولية .
لم تغب الصواريخ البالستية عن المفاوضات الاخيرة بين إيران والـ(٥+١) حيث أرادت القوي الغربية إقحام ملف الصواريخ البالستية في الإتفاق النهائي، إلا أن المفاوض الإيراني أصر علي عدم ذكر أي بند يتعلّق بالصواريخ البالستية في الإتفاق النووي، اذا توصّل إلي إتفاق نهائي مع القوي الغربية بأن تذكر هذه النقطة في قرار مجلس الأمن ٢٢٣١، بإعتبار أن خرق هذا القرار لا يعد خرقا لإلتزامات طهران في الإتفاق النووي. طهران ردّت سريعاً علي كل من يسعي لتخطي 'الخطوط الحمراء' والعبث بترسانتها الصاروخية، حيث كشفت مؤخراً عن صاروخ 'فاتح ٣١٣ '، في رسالة مفادها أن من يهدد إيران سيواجه ضربات لأهداف محدّدة ولقواعد عسكرية.
وتكمن قوة إيران العسكرية والإستراتيجية حاليا في الصواريخ أرض أرض بعيدة المدي القادرة علي إصابة أي هدف معاد ثابت أو متحرك في مدي يبلغ حوالي ٢٠٠٠ كم، وهو ما يعني القدرة علي الوصول إلي أي هدف تحدده إيران في دول الجوار وفي مياه الخليج الفارسي والمحيط الهندي القريبة وداخل الكيان الإسرائيلي وبعض البلدان الأوروبية.
عائلة صواريخ 'شهاب' البالستية
لقد تم التوصل في الخطوة الاولي لتصنيع صاروخ بديل لصاروخ اسكود 'B ' وذلك من خلال صناعة صاروخ حمل اسم 'شهاب ١'. ويعتبر صاروخ 'شهاب ١' من الصواريخ قصيرة المدي وذي مرحلة واحدة ويعمل محرك الصاروخ بالوقود السائل، ويمكن اعتبار هذه الخطوة بداية انطلاق لمشروع تصنيع الصواريخ البالستية الايرانية. وفي مرحلة لاحقة تم تصنيع صاروخ ذي مدي ابعد من صاروخ سكود، وذلك من خلال تطوير صاروخ 'شهاب-١' المحلي الذي يعمل بالوقود السائل ايضا وذي مرحلة واحدة، وهو جيل شهاب '١C ” والذي لم يكن يختلف عن شهاب -١ الا انه تم تطوير مدي الصاروخ ليصل الي ٥٠٠ كيلومتر اي بزيادة قدرها ٦٧%، وتغيير بعض الانظمة السابقة، والتي كانت تمثل الخطوة الاولي للانتقال الي تصنيع صاروخ 'شهاب- ٢'.
ومع توسيع برنامج الصواريخ الايرانية، بدأت جهود حثيثة وانشطة علمية وهندسية واسعة في مجال تطوير الوقود السائل وتصنيع الهياكل الصاروخية ونظم التوجيه والملاحة والتحكم من اجل تحسين وتطوير صاروخ شهاب-٢، وكل ذلك جري تزامنا مع انتاج اعداد كبيرة من نماذج صواريخ اسكود. واخيرا اثمرت هذه الجهود بتصميم وانتاج صاروخ بالستي محلي متوسط المدي باسم 'شهاب٣' وذلك في صيف عام ١٩٩٨.
ان حيازة تقنية تصميم وانتاج صواريخ مطمئنة، ساعدت علي تطوير برامج تطوير وانتاج الصواريخ البالستية الايرانية بحيث ادي ذلك التقدم إلي انتاج نماذج مختلفة من صاروخ شهاب -٣ وبمدي اكثر وبرؤوس حربية مختلفة واجراء تغييرات في مقدمة الصاروخ. وفي الواقع ان استمرار انتاج صواريخ شهاب-٣ البالستية البعيدة المدي التي يمكنها ان تصيب اهدافا علي بعد ١٨٠٠ كيلومتر، ادي الي انتاج صواريخ اخري بعيدة المدي تعمل بالوقود السائل مثل صواريخ 'عاشوراء” و”قدر” وصاروخ 'قيام -١' المتوسط المدي وصاروخ 'سجيل” البعيد المدي الذي يعمل بالوقود الصلب.
إن صاروخ 'سجيل” مثل صاروخ 'قدر” (الجيل المتطور والمُحسن لـ شهاب-٣ بمدي نحو ٢ ألف كيلومتر) قد كُشف عنه في النصف الثاني من العقد الماضي، والذي يعتبره البعض افضل الصواريخ البالستية الإيرانية. هذا الصاروخ الذي يعتبر الصاروخ الإيراني الاول الذي يعمل بالوقود الصلب، والذي يتم تهيئته بسرعة في غضون عدة دقائق فقط، وبعد انطلاقه من علي منصة الاطلاق يترك المكان بسرعة فائقة. ويبلغ مدي سجيل نحو الفين كم، وتم لحد الان تصنيع نموذجين منه وهو سجيل-١ و-٢.
عائلة صواريخ 'فاتح' البالستية
لم تكتف طهران بالعمل علي تطوير مدي الصواريخ البالستية فحسب، بل ركّز الخبراء الإيرانيون علي رفع دقّة الهدف عبر نصب انظمة الباحث الذكي علي رؤوس الصواريخ البالستية الايرانية، والتي من شانها ان تعزز من قدرة كشف رصد وتدمير الاهداف البرية والبحرية المعادية بدقة متناهية، حيث اصبحت هذه الصواريخ تستخدم اساليب التوجيه الحديثة، وتم تجهيز الصاروخ بنظام استهداف الاهداف النقطوية.
تعد منظومة فاتح التي أصبحت في جيلها الخامس حالياً، العمود الفقري للصواريخ البالستية الإيرانية، حيث تتميز بالدقة العالية بإعتبارها من الصواريخ النقطوية. وعند الحديث عن الصواريخ 'النقطوية'، لا بد من الحديث عن صاروخ 'خليج فارس' الذي يعمل بالوقود الصلب، بمدي ٣٠٠ كم والقادر علي استهداف الاهداف النقطوية. وقد كشفت إيران مؤخراً عن الصاروخ 'فاتح ٣١٣' الجيل الجديد من الصواريخ 'النقطوية' في منظومة إيران الصاروخية. 'فاتح ٣١٣' هو الجيل الخامس بعد أربعة أجيال من صواريخ 'فاتح ١١٠'، ويعد تطوّراً نوعياً شهده هذا الصاروخ، الأمر الذي يعطيه امتيازاً كبيراً عن أمثاله من صواريخ 'هرمز ١ و٢' و'خليج فارس'، وهي من طراز 'فاتح'، إنما طبيعتها القتالية من نوع بر ــ بحر .
ويتميّز الصاروخ الجديد، أولاً، بزيادة المدي من ٣٠٠ كلم إلي ٥٠٠ كلم، وهو تطوّر نوعي كبير لهذا الطراز، إضافة إلي استخدام الوقود الصلب المركب، لأول مرة، في صواريخ متوسطة المدي. والمعروف أن هذا النوع من الوقود يستخدم في الصواريخ الحاملة للأقمار والمقصورات الفضائية والصواريخ البعيدة المدي، والأهم أن هذا النوع من الوقود محدود التوافر في دول عدة تصنعه، أصبحت إيران إحداها . وهيكل الصاروخ لا يختلف كثيراً عن فصيلة 'فاتح ١١٠'، إلا أن المواد المستخدمة فيه من ألياف كربونية تعطيه وزناً أخف، ما يسمح بقدرة تزويده برأس حربي أكبر وزناً والتحكم في مستوي الوقود، وما يجعله قادراً علي التخفي عن أجهزة الرادار وامتصاص الحرارة الناتجة عن الاحتكاك بطبقات الجو . هذا التطور الحاصل، الذي يمثّل أهم ميزة في الصاروخ، هو عمله 'النقطوي'، ذلك أن هامش الخطأ إذا جري الأخذ بعين الاعتبار التفاصيل المناخية كافة، وسرعة الرياح في نقطة الإطلاق والهبوط، لا يتعدي العشرة أمتار برأس حربي يصل إلي ٥٠٠ كلغ من المواد الشديدة الانفجار.
إن المعلن من قدرات إيران الصاروخية، هو جزء من هذه المنظومة، فهناك الكثير من الصواريخ غير المعروفة علي وجه اليقين حتي الآن، ولا يستطيع أحد أن يجزم طبيعتها ومداها وقدرتها التدميرية، إلا أن المعلوم أن طهران لم تعتد منذ انتصار ثورتها علي أي دولة مجاورة، وأن القيادات العسكرية والسياسية في إيران أكدت مراراً وتكراراً أن هذه الصواريخ لا تستهدف دول المنطقة، ما عدا الكيان الإسرائيلي.
المصدر : الوقت
انتهي** 2344
طهران/ 3 ايلول/ سبتمبر/ ارنا - تمتلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالفعل أكبر ترسانة من الصواريخ الباليستية في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي طوّرت قدراتها علي إطلاق الأقمار الصناعية إلي جانب الكيان الإسرائيلي.
